روائع مختارة | واحة الأسرة | أولاد وبنات (طفولة وشباب) | إلى الشباب المسلم.. رسالة عاجلة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > واحة الأسرة > أولاد وبنات (طفولة وشباب) > إلى الشباب المسلم.. رسالة عاجلة


  إلى الشباب المسلم.. رسالة عاجلة
     عدد مرات المشاهدة: 3697        عدد مرات الإرسال: 4

الحمد لله رازق القوة بعد الضعف. الراحم بخلقه ذي اللطف. نعمه جلت عن الإحصاء، وخزائن جوده لا تنفد من الإعطاء.

والصلاة والسلام على السراج المنير. صاحب المقام الكبير. رسولنا محمد، وعلى آله وصحبه المجد.

أخي الشاب المسلم:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد.

أخي:

هذه رسالة يبعثها إليك أخ ناصح.. مشفق.. حريص على سعادتك وهنائك في الدنيا والآخرة..

أخي الشاب:

قد سطرت إليك هذه الرسالة، فأبى قلمي أن يكتبها إلا إذا عصرت على مداده لواعج الحسرات!

وسواكب العبرات! فأعطيته ذلك فها هو يكتب بليلًا.. رفيقًا.. ليهديك أخي هذه الكلمات..

أخي الشاب:

متعني الله وإياك بالصحة، وأسبغ علينا جلباب العافية، وأسدل علينا أستار طاعته ومحبته..

أخي:

لقد كتبت إليك هذه الرسالة التي أملاها قلبي، وحملها إليك النصح والحرص على ما ينفعك.

فأملي أخي أن تفتح لها أبواب قلبك، وتضمنها في سويدائه، فإن فعلت أخي فإنك إن شاء الله لن تعدم خيرًا تجده فيها..

أخي:

إنها الحياة الدنيا بآلامها وشجونها؛ كما وصفها لك الله تعالى:

وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا [الكهف:45].

أخي الشاب:

ها أنت تتجرع مرارة الحياة صباح مساء!

ولا أسوأ أخي في مرارة الحياة من الوقوع في المعاصي، والتهالك على اللذات والشهوات! فإنها أخي هي القاصمة التي أفسدت عليك شبابك، وعكرت عليك أن تحيا شبابك قويًا.. ثابتًا.. في عزيمة وعلو همة..

أخي الشاب:

أتدري ما تعنيه كلمة الشباب؟! قال العلماء: أصلها الحركة والنشاط.

أخي:

إن للشباب حرارة إن لم تطفأ ببرد الإيمان الصادق؛ أهلكت صاحبها!

ولتعلم أخي أن حبائل إبليس اللعين منصوبة حولك، إذا نجوت من واحدة منها وضع في طريقك الأخرى، وهكذا أخي حتى تقع في أسره وسلطانه.

وسأخبرك أخي بحبائله الكبار التي تفرع عنها شروره وسمومه، فتأمل معي أخي بقلب حاضر في ذلك إلى تعليم العلماء الربانيين إذ يبصرونك بكيد إبليس لعنه الله.

قال على ابن أبي طالب رضي الله عنه: (بُنيت الفتنة على ثلاث: النساء وهن فخ إبليس المنصوب. والشراب وهو سيفه المرهف. والدينار والدرهم وهما سهماه المسمومان).

أخي الشاب:

وقاني الله وإياك شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.. وعصمنا بفضله عن الأهواء والشهوات..

أخي:

ما أهلك العباد إلا الهوى! النفس تهوى كل شيء؛ وإن عصت فيه ربها تعالى! وخاصة نفوس الشباب، فهي تغلي بأصحابها كما يغلي المرجل!

وتتوثب إلى الملذات والشهوات توثبا.. فواحسرتها أخي على شاب أحرق نضار شبابه في اللذات والشهوات!!

أخي:

كم من الشباب اتخذوا أهواءهم مطية! ولبئس المطية أخي مطية الهوى..

أما رأيت أخي كيف ذم الله تعالى الهوى في كتابه العزيز؟!

فقد قال تعالى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ [الجاثية:23].

قال الحسن البصري رحمه الله: (هو المنافق لا يهوى شيئًا إلى ركبه).

وكل امرئ يدري مواقع رشده *** ولكنه أعمى أسير هواه

يشير عليه الناصحون بجهدهم *** فيأبى قبول النصح وهو يراه

قال مالك بن دينار: (بئس العبد عبدٌ همه هواه وبطنه). أخي الشاب: أين أنت واقف؟! على عتبة الهوى؟! أم على عتبة الطاعة لله تعالى؟

فبالله أخي إذا كنت من الواقفين على عتبة الهوى! ما الذي وجدته في دنيا الهوى؟!

* هل وجدت لذة لا ينقضي نعيمها؟!

* هل وجدت أنسًا وراحة يملآن جوانحك؟!

* هل وجدت في نفسك شوقًا إلى الدار الآخرة، وجنة ربك تعالى؟ جنة عرضها كعرض السماوات والأرض أعدها الله لأهل طاعته.

* هل وجدت حبًا لطاعة ربك تعالى والتفاني في عباده؟!

أخي:

إذا أجبتني فاصدقني، ولن تجد أخي الراحة إلا في صدقك مع نفسك وأنت تجيب على هذه الأسئلة..

أخي الشاب:

أما أنا فسأجيبك بجواب العلماء الذين عرفوا أدواء القلوب، ووصفوا لك الوصفات النافعة؛ إن أنت أخذتها أذهبت ما بك من الداء.

وإليك أخي جواب السؤال؛ يجيبنا فيها الإمام ابن الجوزي رحمه الله إذ يقول: (اعلم أن مطلق الهوى يدعو إلى اللذة الحاضرة من غير فكر في عاقبة.

وبحث على نيل الشهوات عاجلًا، وإن كان سببًا للألم والأذى في العاجل.

ومنع لذات في الآجل، فأما العاقل، فإنه ينهى نفسه عن لذة تعقب ألمًا، وشهوة تورث ندمًا، وكفى بهذا القدر مدحًا للعقل وذمًا للهوى ألا ترى أن الطفل يؤثر ما يهوى؛ وإن أداه إلى التلف، فيفضل العاقل عليه بمنع نفسه من ذلك، وقد يقع التساوي بينهما في الميل بالهوى).

أخي الشاب:

ما أسعدك يوم أن تصبح فتستقبل يومك بطاعة لله تعالى، وتقتل هواك يومها!

فلك أخي أن تعد هذا اليوم من أيامك الصالحة التي ستنفعك غدًا إذا وقفت أمام الله تعالى، فتحتاج إلى الحسنة الواحدة.

ولا تقف أخي عند يوم واحد، بل فلتحرص أن تكون أيامك كلها بيضًا.. بيض الله وجهي ووجهك يوم تبيض وجوه وتسود وجوه.

قال أبو الدرداء : «إذا أصبح الرجل اجتمع هواه وعمله، فإن كان عمله تبعًا لهواه فيومه يوم سوء وإن كان هواه تبعًا لعمله فيومه يوم صالح».

 ومن البلاء وللبلاء علامة أن *** لا يرى لك عن هواك نزوع

 العبد عبد النفس في شهواته *** والحر يشبع تارة ويجوع

أخي:

ألا أخبرك عن أصل الداء؟! وأصل الدواء؟!

قال ابن السماك:

«إن شئتَ أخبرتك بدائك، وإن شئتَ أخبرتك بدوائك! داؤك: هواك! ودواؤك: ترك هواك».

وجاء رجل إلى الحسن البصري فقال: يا أبا سعيد أي الجهاد أفضل؟ قال: «جهادك هواك».

وقف أخي! إليك أنت أخي يا من أراك وقفت عند المعاصي والشهوات الفانية!

يا من وقفت مشدوهًا حائرًا من بريق الدنيا الخادع! فلم تعرف اللذة إلا في ليل تقضيه في صالات الحفلات!

أو غرام وعشق تبوح به إلى الفتيات! أو حب يحملك إلى تقليد الموضات!

أو تسكع في الأزقة والطرقات!

أو قضاء أيام زهرة الشباب في بلاد الكفر بين الرقص والبارات!!

أخي الشاب:

أراك نسبت أنك مسلم! أخي: أراك نسيت ما خلقت لأجله! أخي: أراك نسيت أن الأيام تمضي ويمضي شبابك معها. أخي: أراك نسيت أن سعادتك قريبة منك.

عن أنسرضي الله عنه قال: قال رسول الله: {حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات} [رواه مسلم والترمذي].

أخي:

إنه شبابك فلا تضيعه، وحصنك إذا ضعفت فلا تهدمه! وانظر أخي إلى عواقب المعاصي والشهوات بعين بصيرة؛ تعلم سوء بركتها وقلة خيرها، وضمنها أخي قلبك..

يقول الإمام ابن الجوزي: «فالعاقل من حفظ دينه ومروءته بترك الحرام، وحفظ قوته في الحلال؛ فأنفقها في طلب الفضائل من علم أو عمل ولم يسعَ في إفناء وتشتيت قلبه في شيء لا تحسن عاقبته...».

أخي الشاب:

أين أنت من عواقب المعاصي؟! شقاء وجحيم يوم الحساب..

 يا من غدا في الغي والتيه *** وغره طول تماديه

 أملى لك الله فبارزته *** ولم تخف غب معاصيه

قال الفضيل بن عياض رحمه الله: «من استحوذت عليه الشهوات انقطعت عنه مواد التوفيق».

أخي:

اجعل مطيتك طاعة ربك تعالى؛ تسعد في الدنيا، وتَفُزْ بالدرجات العالية يوم يقوم الناس لرب العالمين.

قال الحسن بن محمد الجريري: «أسرع المطايا إلى الجنة الزهد في الدنيا وأسرع المطايا إلى النار حب الشهوات، فمن استوى على متن شهوة من الشهوات أسرع به القود إلى ما يكره».

أخي الشاب:

إن لكل شيء منتهى، وإن توهم بعض الناس اللذة في شهوة من الشهوات؛ فإن الإدمان أخي يورث فقد حلاوة الشهوات!

يقول الإمام ابن الجوزي: «وليعلم العاقل أن مدمني الشهوات يصيرون إلى حالة لا يلتذونها، وهم مع ذلك لا يستطيعون تركها؛ لأنها قد صارت عندهم كالعيش الاضطراري...».

أخي:

ها هي الشهوات قد أحاطت بك، وها هي أخي تبدو إلى ناظريك كأجمل ما يكون، قد تزينت لك في ثياب شتى! وها أنت أخي الشاب تخبط خبط عشواء وتترامى إلى أحضانها دونما تروٍ أو تفكر.

أخي:

إن شئت أن تقصم ظهر الشهوات؛ فلن تقصمها بسلاح أقوى من الصبر؛ فهو عدوها اللدود، فلا تكن أخي خوارًا ولا ضعيفًا، فاضرب الشهوات بعزيمة لا تلين، عندها أخي تجنى ثمار ذلك إيمانًا ويقيًنا تجده في قلبك.. قال إبراهيم القصار: «أضعف الخلق من ضعف عن رد شهوته، وأقوى الخلق من قوى على ردها».

فاصبر أخي وصابر، تنال النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة..

قال تعالى: وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا [الإنسان:12].

قال أبو سليمان الداراني: «صبروا عن الشهوات».

وقال يحيى بن معاذ: «حفت الجنة بالمكاره وأنت تكرهها، وحفت بالنار بالشهوات وأنت تطلبها، فما أنت إلا كالمريض الشديد الداء إن صبر نفسه على مضض الدواء اكتسب بالصبر عافية.

وإن جزعت نفسه مما يلقى طالت به علة الضنى». فاصبر أخي تجد في طاعة الله تعالى شغلًا عن معاصيه؛ لتكون بعدها أخي في مصاف المهتدين.. ومواكب التائبين.. وما ذلك ببعيد.

وقف أخي!

وأنت يا أيها العاشق الولهان! أي داء هذا أخي الذي أفسد عليك دينك ودنياك؟! أليس هو ما تسمونه بـ (العشق) أو (الغرام) داء الشباب..

وسرطان تلك العيدان الرطاب! كم من شاب أفسد نضار شبابه بهذا الداء الأسود.. أخي الشاب: مساكين أولئك الشباب الذين وقفوا عند عشق الصور! وما دروا أن الله تعالى خلقهم لما هو أعظم من ذلك.

قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات: 56-58].

أخي:

إنها غاية الغايات، وإليها أخي يسعى الناجون.. لذلك صدق الحكماء عندما قالوا في العشق، هو: «شغل قلب فارغ!»

حقًا أخي إنه: قلب فارغ من معرفة ربه تعالى! قلب فارغ من معرفة الغاية التي خلقه الله لأجلها! قلب فارغ من معرفة ما ينفعه أو يضره! قلب فارغ من معالي الأمور والهمم الرفيعة!

قال الإمام ابن الجوزي: (وهو أنه لا يتمكن العشق إلا مع واقف جامد؛ فأما أرباب صعود الهمم، فإنها كلما تخايلت ما توجبه المحبة فلاحت عيوبه لها إما بالفكر فيه أو بالمخالطة، تسلت أنفسهم، وتعلقت بمطلوب آخر..

وعلى قدر النظر في العواقب يخف العشق عن قلب العاشق، وعلى قدر جمود الذهن يقوى القلق).

 وما عاقل في الناس يحمد أمره *** ويذكر إلا وهو في الحب أحمق

 وما من فتى ذاق بؤس معيشة *** من الناس إلا ذاقها حين يعشق

أخي الشاب: وها أنا أخبرك بضرر العشق في الدين والدنيا!

أما في الدين: (فيشغل القلب من معرفة الله تعالى، والخوف منه تعالى، فيقع العاشق في الحرام؛ فيخسر آخرته، ويتعرض لعقوبة ربه تعالى).

وأما ضرره في الدنيا: (فإنه يورث الهم الدائم والفكر اللازم والوسواس والأرق وقلة المطعم وكثرة السهر ويتسلط على الجوارح فتنشأ الصفرة في البدن والرعدة في الأطراف واللجلجة في اللسان..

وربما خرج بصاحبه إلى الجنون...) [ابن الجوزي] بتصرف.

أخي:

ما أظنك تزهد في معرفة دواء العشق وحاسم شروره!

أخي:

إن أردت الوصفة الناجحة لداء العشق، فهي تتكون من عنصر واحد يشتمل على كل عناصر الدواء إن شاء الله..

وهو: الإعراض عن النظر مع قوة شديدة في العزة على الغض وهجر المحبوب، فإن فعلت ذلك أخي تهاوت حصون العشق وأصبحت دكا!

واغضض الطرف تسترح من غرام *** تكتسى فيه ثوب ذل وشين

فبلاء الفتى موافقة النفس *** وبدء الهوى، طموح العين

قال الأصمعي: لقد أكثر الناس في العشق فما سمعت أوجز ولا أجمل من قول بعض نساء العرب وسئلت عن العشق، فقالت: «ذل وجنون!».

وقف أخي!

أخي الشاب:

آه من تلك اللذة العظمى التي غفل عنها العباد!! وواسعادة أولئك الذين نعموا بها.. أخي أتدري ما هذه اللذة؟ تأمل الجواب: «لقد غفر طلاب الدنيا عن اللذة فيها!

وما اللذة فيها إلا شرف العلم، وزهرة العفة، وأنفة الحمية، وعز القناعة، وحلاوة الإفضال على الخلق.

فأما الالتذاذ بالمطعم والمنكح فشغل جاهل باللذة! لأن ذاك لا يراد لنفسه، بل لإقامة العوض في البدن والولد.. فمن مال إلى النساء لم يصفُ له عيش.

ومن أحب الشراب لم يمتع بعقله، ومن أحب الدينار والدرهم كان عبدًا لهما ما عاش!» ابن الجوزي.

أخي الكل يتمني أن يعيش سعيدًا هنيئًا، ولكن أخي هل عرف الجميع طريق السعادة؟! أخي قليل أولئك الذين عرفوا طريق السعادة الحقيقية! وقد رأيت أخي صفاتهم كما وصفها لك الإمام ابن الجوزي رحمه الله. فانظر أخي الشاب أين أنت من تلك السعادة الحقيقية؟

ولا تخدعنك أخي نفسك، ولطالما خدعت الأنفس العباد.. فكم متخبط غارق في بحور الشهوات يظن أنه من أسعد الخلق!! مسكين هذا! ولو نظر إلى عواقب ما يجنى من تلك السعادة الكاذبة؛ لعلم أنه من أشقى الناس، فاحذر أخي ثم احذر تلك السعادة الكاذبة.

وقف أخي:

أخي يا من أسرفت في الذنوب، ولبست من المعاصي ألوانًا! نهارك لاه! وليلك غافل!

أخي الشاب:

كم كان الله تعالى رحيمًا بعباده.. حليمًا.. فقد مد لعباده في التوبة والرجوع إليه، ولم يقنطهم من رحمته.

بل ناداهم نداء رحيم بهم: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].

أخي الشاب:

التوبةَ التوبة.. الإنابةَ الإنابة.. وما أحلى التوبة منك أخي وأنت في ربيع أيامك وزهرة شبابك..

فما أسعدك أخي إن طرقت باب مولاك تعالى راجيًا القبول، وغفران الذنوب.. ومعاهدًا على لزوم الطاعة، ومفارقة الهوى..

فعساك أخي أن تكون ممن عناهم النبي  يقول: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلى ظله». فذكر منهم: «وشاب نشأ في عبادة ربه». رواه البخاري ومسلم.

أخي:

إن رحم الله تعالى فإنه لشديد العقاب! فاحذر أخي عقابه وأليم عذابه، ولا تغتر أخي فتعيش الأماني العراض بغير عمل صالح! فقد حذرتك أخي لو حذرت.

قال أبو على الروذباري: «من الاغترار أن تسيء فيحسن إليك، فتترك الإنابة والتوبة توهمًا أنك تسامح في الهفوات».

 قم فارث نفسك وابكها *** ما دمت وابك على مهل

 ما دمت وابك على مهل *** فيما يريد فقد كمل

أخي الشاب:

إن التوبة لقي شوق إلى لقائك! فعجل عجل أخي.. قال عمير بن هانئ: «تقول التوبة للشاب: أهلا ومرحبًا.

وتقول للشيخ:

نقبلك على ما كان منك. الشاب ترك المعصية مع قوة الداعي إليها، والشيخ قد ضعفت قوته، وقل داعيه فلا يستويان!».

النجاء النجاء أخي قبل أن لا يكون نجاء.. واعمل الصالحات قبل أن يكون حساب ولا عمل..

وقف أخي!

أخي الشاب:

صلاحك صلاحك في تقواك.. وفوزك فوزك في خوفك من الله تعالى.. فاستعصم أخي بتقوى الله تعالى؛ فهي خير حصن تحصنت به..

أخي:

أو ما تحب أن تكون في الدنيا من الهانئين، ويوم القيامة من الناجين؟! فإن أردت أخي ذلك فلتتق مولاك تعالى في كل صغير وكبير، تجد عاقبة ذلك بردًا وسلامًا..

أخي:

(فالسعيد من لازم أصلًا واحدًا على كل حال، وهو تقوى الله عز وجل، فإنه إن استغنى زانته. وإن افتقر فتحت له أبواب الصبر.

وإن عوفي تمت النعمة عليه. وإن ابتلي حملته. ولا يضره إن نزل به الزمان. أو صعد. أو أعراه. أو أشبعه. أو أجاعه. لأن جميع تلك الأشياء تزول وتتغير.

والتقوى أصل السلامة. حارس لا ينام. يأخذ باليد عند العثرة.. ولازم التقوى في كل حال فإنك لا ترى في الضيق إلا السعة وفي المرض إلا العافية، هذا نقدها العاجل والآجل معلوم) [ابن الجوزي].

 ألا فاسلك إلى المولى سبيلا *** ولا تطلب سوى التقوى دليلا

 وسر فيها بجد وانتهاض *** تجد فيها المنى عرضًا وطولًا

 وإن أحببت أن تعتز عزًا *** يدوم فكن له عبدًا ذليلًا

 وواصل من أناب إليه واقطع *** وصال المسرفين تكن نبيلًا

 ولا تفنى شبابك واغتنمه *** ومثل بين عينيك الرحيلا

وقف أخي!

أخي الشاب: أين أنت من الرقدة الكبرى؟!

يوم يفارقك القريب والحبيب فتبقى وحيدًا في بيت الوحشة والظلمةّ! لا أنيس ولا ضياء إلا عملك الصالح..

أخي:

إنه (القبر) ماذا أعددت له؟!

 آن الرحيل فكن على حذر *** ما قد ترى يغنى عن الحذر

 لا تغترر باليوم أو بغد *** فلرب مغرور على خطر

أخي:

(يجب على من لا يدري متى يبغته الموت أن يكون مستعدًا، ولا يغتر بالشباب! والصحة!

فإن أقل من يموت الأشياخ وأكثر من يموت الشباب! ولهذا يندر من يكبر. وقد أنشدوا:

يعمر واحد فيغر قومًا *** وينسى من يموت من الشباب

ابن الجوزي:

أخي الشاب:

احذر بغتة الموت وفجأته، فإنها أخي لا تميز بين الشاب والكبير.. فكم من شاب مات وهو في زهرة عمره، وريعان شبابه، فودعه الصديق والقريب بدموع الحسرات على شبابه وعنفوان عمره! أما هو فإن فارق الدنيا مسرفًا مذنبًا فوآطول حسرته إذا أتته ملائكة العذاب.. وواحسرته يوم أن يكون قبره حفرة من حفر النيران..

أخي:

يوشك أن يناديك المنادي فتجيب! فاحذر أخي من سوء الخاتمة، فإن العبد يختم له في هذه الحياة بآخر أعماله، فإياك أخي أن يأتيك الموت وأنت غارق في المعاصي والشهوات! فتندم حين لا ينفع الندم.. فاحذر أخي عذاب الله تعالى وشديد عقابه، ولا تقل إن الله غفور رحيم.. أجل إن الله غفور رحيم؛ ولكنك أخي هل نسيت أنه شديد العقاب، أليم العذاب لمن عصاه..

قال الله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنعام:165].

وقال تعالى: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ [الحجر:50،49].

وقال تعالى: إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ [فصلت:43].

أخي: ختم الله لي ولك بصالح الأعمال، وحسن الختام، وجعلنا من الفائزين بنعيمه الدائم وبحبوحة جنانه..

وقف أخي!

أخي الشاب:

لقد آن لك أن تعتز بإسلامك، وتفخر به بين العالمين، وترفع صوتك عاليًا: إني مسلم..

أخي ما أحلى تلك الكلمة إن خرجت من جوف صادق، وقلب نابض بالإيمان.. فكن أخي متشبهًا بالصالحين إن لم تكن مثلهم في كل شيء..

ولست أبالي حين أقتل مسلمًا *** على أي جنب كان في الله مصرعي

أخي:

نريدك أن تكون من هؤلاء..

 شباب مؤمن بالله يمضي *** وللإسلام يندفع اندفاعا

 ويعلنها بعزم إن دربي *** إلى الجنات ياخذني سراعًا

 شباب لم تدنسه المعاصي *** ولم تتركه في الدنيا ضياعا

 أولئك هم شباب للمعالي *** لقد بعثوا لدنيانا شعاعا

ثم أخي الشاب..

* هل تدري أن أول من صدق النبي  وآمن به هم الشباب؟!

* وهل تدري أخي أن أول من قتل في المسلمين يوم بدر هو شاب؟! وهو: حارثة بن سراقة  وقال النبي  لأمه: «إن ابنك أصاب الفردوس الأعلى». رواه البخاري.

* وهل تدري أخي أن أول من برز لمبارزة رءوس الكفر يوم بدر هم شباب من الأنصار .

* وهل تدري أن عمرو بن عبد ود وكان من المشهورين بالشجاعة قتله يوم بدر علي بن أبي طالب . وكان عمر علي  يومها عشرين سنة ولعمرو يومها ستين سنة؟!

* وهل تدري أن شابين من الأنصار وهما: عوف ومعوذ أبناء عفراء  هما اللذان قتلا أبا جهل فرعون هذه الأمة؟!

* وهل تدري أخي أن سعد بن معاذ  اهتز عرش الرحمن لموته وكان  شابًا؟!

* وهل تدري أن الذي كلف بجمع القرآن الكريم كان شابًا وهو زيد بن ثابت الأنصاري  كلفه بذلك عثمان  في خلافته؟.

وهنالك أخي زهرات وزهرات للشباب الصالح، تضيء لك الطريق، وتقودك إلى رحاب الإيمان الصادق.. فلتسلك أخي الطريق..

وأنا أودعك أخي الشاب تقبل مني الكلمات..

* فلتحافظ أخي على أداء الصلوات الخمس ولتؤدها في الجماعة في المسجد، فإنها نور لصاحبها في الدنيا والآخرة.

* بادر أخي بالتوبة الصادقة؛ التي تمحو بها أدران الذنوب والمعاصي.

* فلتكن أخي بارًا بوالديك إن أردت الفلاح في الدنيا والآخرة.

* احرص أخي على صحبة الأخيار واحذر من صحبة الأشرار.

* عليك أخي بالاستفادة من الوقت ولا تضيعه فيما لا يعود عليك بالنفع في الدنيا والآخرة.

* ولتكن أخي رفيقًا بالآخرين، بشوشًا، حسن الخلق.

* وكن أخي رحيمًا بالضعفاء والمحتاجين، وجابرًا لكسر المحرومين؛ بما تستطيع ولو بالكلمة الطيبة.

* ولتكن أخي ذا مسلك حسن في البيت، وفي المدرسة، وفي الشارع، وفي السوق.

* ولتجعل أخي صحتك خيرًا يعود عليك بالنفع، وعلى العباد، والبلاد، فالأمة تنتظرك.

* احرص أخي على قراءة الكتاب النافع، واستماع الشريط المفيد.

* وكن أخي عزيزا بدينك ولا تتشبه بالكفار في مظهرهم أو عاداتهم.

* واحذر أخي من السفر إلى بلاد الكفار من غير ضرورة شرعية.

* وإياك أخي من المخدرات فاحذرها؛ فإنها الدمار للصحة والشباب.

* ولتكن أخي ذا ثقة بنفسك؛ فإنك لم تولد فاشلا، ولكن عدم ثقتك بنفسك هو الذي يجعلك فاشلًا.

أخي الشاب:

تلك كلمات استخرجتها لك من مكامن جوانحي.. وخلطتها لك بصدق النصيحة.. وقدمتها إليك في قوالب الأخوة في الله.. وكم أنا سعيد إن أنت قبلتها.

وبقي أخي أني قد حاولت جهدي، وما علي إلا البلاغ، فإن أنت عملت بذلك فلن تكون بسيئ المكانة.

فليس عيبًا أخي أن تفتح صفحة جديدة في حياتك؛ لتدون عليها أعمالًا صالحة تكون ضياءً ونورًا لك في دنياك، ويوم لقائك لربك تعالى، وأنت يومها السعيد.. الفائز.. المفلح..

والله تعالى يرعاني ويرعاك، ويحفظني ويحفظك.. وها هي تحيتي إليك أخي أخيرًا كما حييتكم بها أولًا.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

الكاتب: أزهري أحمد محمود

المصدر: موقع كلمات